الوحي
وأنواعه
مقدمة
1-
خلفية البحث
ولقد كان العرب أحرص الناس على دفع هذا
القرآن إمعانًا في خصومة محمد -صلى الله عليه وسلم- ولكنهم عجزوا ووجدوا السبل
أمامهم مغلقة, وباءت كل محاولاتهم بالفشل, فما للملحدين اليوم -وقد مضى أربعة عشر
قرنًا على ذلك- يبحثون في قمامات التاريخ ملتمسين سبيلًا من تلك السبل الفاشلة
نفسها، وبهذا يتبين أن القرآن الكريم لا يوجد له مصدر إنساني، لا في نفس صاحبه،
ولا عند أحد من البشر، فهو تنزيل الحكيم الحميد.
ونشأة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
في بيئة أمية جاهلية، وسيرته بين قومه، من أقوى الدلائل على أن الله قد أعده لحمل
رسالته، وأوحى إليه بهذا القرآن هداية لأمته: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَاالْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ
وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ
لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ, صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} .يقول
الأستاذ محمد عبده في رسالة التوحيد: "من السنن المعروفة أن يتيمًا فقيرًا
أميًّا مثله تنطبع نفسه بما تراه من أول نشأته إلى زمن كهولته، ويتأثر عقله بما
يسمعه ممن يخالطه، لا سيما إن كان من ذوي قرابته، وأهل عُصبته، ولا كتاب يرشده،
ولا أستاذ ينبهه، ولا عضد إذا عزم يؤيده، فلو جرى الأمر فيه على جاري السنن لنشأ
على عقائدهم، وأخذ بمذاهبهم، إلى أن يبلغ مبلغ الرجال، ويكون للفكر والنظر مجال،
فيرجع إلى مخالفتهم، إذا قام له الدليل على خلاف ضلالاتهم، كما فعل القليل ممن
كانوا على عهده.
2-
أسئلة البحث
أ-
ما مفهوم الوحي وأنواعه؟
ب-
ما هي كيفية الوحي؟
ج- ما هي مظاهر الوحي؟
3-
أهداف البحث
انطلقا مما سبق، فهذه الورقة مقدمة :
أ-
لمعرفة مفهوم الوحي وأنواعه
ب-
لمعرفة كيفة الوحي
ج-
لمعرفة مظاهر الوحي
1-
مفهوم
الوحي:
يقال: وحيت إليه وأوحيت: إذا
كلَّمته بما تخفيه عن غيره، والوحي: الإشارة السريعة، وذلك يكون بالكلام على سبيل
الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرد، وبإشارة ببعض الجوارح.
والوحي
مصدر، ومادة الكلمة تدل على معنيين أصليين، هما: الخفاء والسرعة، ولذا قيل في
معناه: الإعلام الخفي السريع الخاص بمن يوجَّه إليه بحيث يخفى على غيره، وهذا معنى
المصدر، ويُطلق ويُراد به الوحي، أي بمعنى اسم المفعول.
والوحي بمعناه اللغوي
يتناول:
أ- الإلهام الفطري للإنسان، كالوحي إلى
أُم موسى
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ}.القصص:
7.
ب- والإلهام الغريزي للحيوان، كالوحي إلى
النحل
{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ
الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} النحل :68.
ج- والإشارة السريعة على سبيل الرمز
والإيحاء كإيحاء زكريا فيما حكاه القرآن عنه: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ
الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} مريم:11.
د- ووسوسة الشيطان وتزيينه الشر في نفس
الإنسان:
{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ
لِيُجَادِلُوكُمْ} الأنعام: 121.
ح- وما يُلقيه الله إلى ملائكته من أمر
ليفعلوه:
{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ
فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} الأنفال: 12.
وعرفه الأستاذ محمّد عبده في رسالة التوحيد بأنه:
عرفان يجده الشحص من نفسه مع اليقين بانّه من قبل
الله بواسطة او بغير واسطة, والأول بصوت يتمثل لسمعه او بغير صوت. ويفرق بينه وبين
الإلهام بأنّ الهام.
ولغة القرآن الفاشية
"أوحى" بالألف -ولم يستعمل مصدرها- وإنما جاء فيه مصدر الثلاثي: {إِنْ
هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} النجم:4.
ووحي الله إلى أنبيائه قد عرَّفوه
شرعًا بأنه: كلام الله تعالى المُنَزَّلُ على نبي من أنبيائه. وهو تعريف له بمعنى
اسم المفعول أي الموحى.والوحي بالمعنى المصدري اصطلاحًا: هو إعلام الله تعالى مَن
يصطفيه من عباده ما أراد من هداية بطريقة خفية سريعة.[1]
2-
أنواع
الوحي:
أ-
أن
يكون بالرؤيا الصادقة .
ب- أن يكون بإلهام النبي في حالة اليقظة و
إلقاء المعنى في قلبه من غير أن يرى الملك.
ج- أن يكون بتكليم النبي من وراء حجاب و
بشكل مباشر ويسمع النبي الكلام .
د- ويكون بتكليم النبي بواسطة جبريل عليه
السلام .[2]
3-
مظاهر
الوحي:
والوحي
في أي مرتبة من مراتبه أمر عظيم يقتضي من الإنسان أن يتجاوز حدود المادة وعالم
الشهادة ليتصل بالملائكة وعالم الغيب، وذلك يقتضي من صاحبه استعدادا يهيئه الله
تعالى في أولئك الأخيار الذين اصطفاهم من خلقه لهذه المنزلة، وكثيرا ما كان يحدث
للنبي صلّى الله عليه وسلم مشقة شديدة في التلقي من الملك.
قالت عائشة رضي الله
عنها: إن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله
كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أحيانا يأتيني مثل صلصلة
الجرس وهو أشدّه عليّ، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثّل لي الملك
رجلا فيكلّمني فأعي ما يقول».[3]
ومن آثار الوحي ومظاهره على النبي صلّى الله عليه
وسلّم ما وردت به هذه الأحاديث:
أ-
ما
ذكر في حديث السيدة عائشة «ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد
فيفصم عنه وإنّ جبينه ليتفصّد عرقا».
ب- أنه صلّى الله عليه وسلم كان إذا نزل
عليه الوحي سمع عند وجهه دويّ كدويّ النحل
عن
عبد الرحمن بن عبد القارّيّ قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: كان إذا نزل على رسول
الله صلّى الله عليه وسلم الوحي يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل، فمكثنا ساعة
فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال:
«اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا
تهنّا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارض عنا وأرضنا، ثم قال: لقد
أنزلت عليّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنة»، ثم قرأ علينا: «قد أفلح المؤمنون ...
حتى ختم العشر»
ت- أنه صلّى الله عليه وسلم كان إذا نزل
عليه الوحي ثقل جسمه حتى يكاد يرضّ فخذه فخذ الجالس إلى جنبه.
عن
زيد بن ثابت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أملى عليه: لا يَسْتَوِي
الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ فجاءه ابن أمّ مكتوم وهو يملّها عليّ قال: يا رسول الله، والله لو
أستطيع الجهاد لجاهدت.- وكان أعمى- فأنزل الله على رسوله صلّى الله عليه وسلم
وفخذه على فخذي، فثقلت عليّ حتى خفت أن ترضّ فخذي ثم سرّي عنه فأنزل الله: غَيْرُ
أُولِي الضَّرَرِ، أخرجه البخاري بلفظه وأحمد وأبو داود وغيرهم.[4]
4-
كيفية الوحي
وليست مراتب الوحي
مقتصرة على هذين الحالين اللذين عرفناهما من الحديث،: الرؤيا والأخذ من الملك، بل
إن له مراتب وكيفيات عدة ذكر القرآن الكريم أصولها في قوله تعالى: وَما كانَ
لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ
يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ[5].
وقد دلّت هذه الآية الجامعة على كيفيات الوحي وأنها ثلاث لا رابع
لها، وسماها العلماء مراتب الوحي، وهي:
أ-
أن يلقي الله ما يريد إلقاءه إلى النبي مباشرة بطريق خفي سريع دون
واسطة.
ب-
أن يكلم الله النبي، من وراء حجاب تكليما.
ت-
أن يرسل الله الملك إلى النبي فيلقي إليه ما أمره الله تعالى به.
وقد بحث العلماء في هذه المراتب- ومرادهم كيفيات الوحي- واستقصوا
أحوالها فيما ورد من وصف الوحي من الكتاب والسنّة، وأوصلوها إلى سبع مراتب ينقسم
إليه الوحي ويقع بها، ومنهم من جعلها ثماني مراتب ، وترجع كلها إلى المراتب
الأساسية التي ذكرتها الآية، وتندرج في ضمنها ولا تتجاوز حدها، كما يتضح من هذا
البيان الذي يشرحها[6]:
المرتبة
الأولى:
الرؤيا الصادقة، وذلك كما ورد في حديث عائشة: «أول ما بدئ به رسول
الله صلّى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم»، والوحي في هذه
المرتبة إما أن يكون بإلقاء الله أو بواسطة الملك فهو داخل في الآية لا يخرج عنها.
المرتبة الثانية:
أن يأتيه الملك فيلقي
في روعه وقلبه من غير أن يراه، كما أخرج الشهاب والحاكم عن ابن مسعود أنه صلّى
الله عليه وسلم قال: «إن روح القدس نفث في روعي: أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها
فاتقوا الله وأجملوا في الطلب »
المرتبة الثالثة:
أن
يتمثّل له الملك رجلا فيخاطبه فيعي عنه ما يقول: كما في الحديث المشهور من سؤال
جبريل النبي صلّى الله عليه وسلم عن الإسلام
والإيمان والإحسان والساعة. وهو متفق عليه.
المرتبة الرابعة:
أن يأتيه الملك على حاله الملكية
ويوحي إليه، وفي هذه المرتبة يأتيه الوحي مثل صلصلة الجرس، وكان ذلك أشد الوحي
عليه صلّى الله عليه وسلم.
المرتبة الخامسة:
أن يأتيه الملك جبريل
ويظهر له في صورته الملكية العظيمة التي خلق عليها، فيوحي إليه ما شاء الله أن
يوحيه. وهذا وقع له صلّى الله عليه وسلم مرتين: إحداهما في الأرض، والثانية: في
السماء ليلة المعراج عند سدرة المنتهى، كما قال تعالى في سورة النجم (1): وَلَقَدْ
رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى. عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى.
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى. ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى. لَقَدْ رَأى
مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى.
وهذه المراتب الأربعة التي بعد الأولى
كلها صور لمرتبة واحدة لا تخرج عنها، ذكرها القرآن في قوله تعالى: أَوْ يُرْسِلَ
رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ.
المرتبة السادسة:
كلام الله تعالى
للنبي من وراء حجاب، كما وقع للنبي صلّى الله عليه وسلم ليلة المعراج بعد أن
استقرت فريضة الصلوات على الخمس فنودي: أحكمت فريضتي وخففت على عبادي، وكما وقع
لموسى عليه السلام: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً.
المرتبة السابعة:
كلام الله تعالى للنبي وحيا بلا واسطة ملك ولا حجاب: كما أوحاه إلى
النبي صلّى الله عليه وسلم ليلة المعراج وهو فوق السموات من فرض الصلوات ومضاعفة الحسنات
الحسنة بعشر أمثالها، وغير ذلك، وهي مرتبة داخلة في قوله: أَنْ يُكَلِّمَهُ
اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أي إعلاما خفيا.
المصادر والمراجع
[3] متفق عليه: البخاري
في مطلع صحيحه ص 2 - 3 ومسلم في الفضائل (باب عرق النبي صلّى الله عليه وسلم ... ) ج 7 ص 82
0 komentar:
Posting Komentar